مملكة صغيرة.. وبساطة كبيرة!
لسنا نغالي إذا قلنا أن التعدد الثقافي في الجزائر بقدر ما يعتبر عنصر ثراء وتنوع لا اختلاف وفرقة.. فإن هذا التعدد يمنحك في العام الواحد أو لنقل في صيف العام الواحد أسفارا لا نهاية لها تأخذك وأنت مسحور العينين من عالم إلى آخر.. وإذا كنت من المدعوين لعرس زفاف أحد أهل وادي ميزاب بالجنوب الجزائري التي تبعد عن العاصمة بحوالي 600كلم.. حيث الرمال الذهبية وأشجار النخيل الباسقة والخضرة والسواقي.. بل حيث عادات أهل وادي ميزاب ومملكتهم الصغيرة المحاطة بأسوار الطين والطوب التي لا يدخلها غريب ولا أجنبي، إلا بإذن أهلها الطيبين.. فإنك لا محالة تحضر حفل زفاف مميز لمن تمنحك إياه أشرطة الفيديو أو الأفلام الوثائقية.. ففي وادي ميزاب تلامس الأصالة عن قرب.. وهناك يسهل عليك فهم كيف أن مثل هذه المملكات لا تبالي بحديث العولمة -هذا البعبع الذي يخيف الجميع - لأنها ببساطة لها من الخصوصيات والتفرد ما يجعلها تتناغم بلا صدام مع حضارات المعمورة وثقافات الشعوب.. ففي وادي ميزاب تجد البساطة عنوان كل ميزابي في مجموع بيوت القرى الخمس التي تشكل حظيرة وادي ميزاب العريقة وهي غرداية التي انشئت سنة 477ه (القرن 11) والقرارة التي تأسست العام 1630والعطف
أو "تاجنتينت"بالبربرية التي أنشئت سنة 402ه / 1012وبريان التي أنشئت العام 1679م وتبعد عن غرداية بحوالي 45كلم عن مدينة غرداية وبنورة ومليكة وأخيراً بني يزقن أو "آت يسجن" بالبربرية التي تعد من أهم المدن الميزابية.. انشئت العام 1321من اندماج 5قرى قديمة على مقربة من المدينة الحالية وهي بأسمائها البربرية القديمة "تيريشين" و"موركي" و"اجنوناي" و"تافلالت" و"بوكياو".. ومثلما هي البساطة حاضرة في كل زاوية من زوايا هذه القرى الجميلة العتيقة التي لم يطلها الإرهاب البتة على مدى العشر السنوات التي حوّلت الجزائر الى دمار ودم وعنف ولم تتوقف عنها الوفود السياحية التي وجدت في ربوعها الأمان والسلم عكس باقي أجمل مناطق القطر الجزائري.. فمثلما هي البساطة حاضرة في كل سلوكات أهل وادي ميزاب ونظرتهم للحياة وتدابيرها.. فهي حاضرة أيضا في أعراسهم عامة.. سواء كانت أعراس الازدياد أو الختان أو الزواج.. فبنو ميزاب من أكثر سكان الجزائر تواضعا في أفراحهم فهم ينفقون على هذه المناسبات بحساب وعقل بعيداً عن هاجس حب الظهور والبهرجة والتبذير الفاحش الذي نلمسه في بقية الأعراس التي تشهدها مناطق كثيرة من القطر الجزائري بالأخص مناطق الغرب الجزائري بوه
ران وتلمسان اللتين يمتاز أهلها بميلهم الكبير للزهو والمرح وهي المناطق خاصة وهران التي كانت وما تزال مهد أغنية "الراي" التي تجتاح اليوم كبريات العواصم الغربية والشرقية.